وفي حوار خاص مع "إسلام أون لاين.نت" أوضح د.المدغري جوانب من أعمال ونشاطات وكالة "بيت مال القدس"، خصوصا ما يتعلق منها بإنشاء مشاريع تنموية واجتماعية وإنسانية، وكذلك بجهود الوكالة لتوثيق أوقاف القدس بهدف صيانتها من عمليات التهويد. وتأسست وكالة بيت مال القدس الشريف سنة 1998 كمؤسسة عربية إسلامية غير هادفة للربح، وذلك بمبادرة من العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني رئيس لجنة القدس آنذاك، وانبثقت الوكالة عن منظمة المؤتمر الإسلامي. |
وتهدف الوكالة إلى حماية الحقوق العربية والإسلامية في المدينة المقدسة وتعزيز صمود أهلها من خلال دعم وتمويل برامج ومشاريع في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان والحفاظ على التراث الديني والحضاري للقدس الشريف، مما يتطلب تعبئة الموارد المالية للوكالة لتمكينها من القيام بهذا الدور.
وفيما يلي نص الحوار:
* من واقع زياراتكم المتعددة للقدس بصفتكم مديرًا لوكالة بيت مال القدس.. كيف حال المدينة المقدسة مع حملة التهويد الممنهج التي تستهدفها؟
- ما وجدته هناك فاق كل التصورات، فسلطات الاحتلال الإسرائيلي تغتنم أية فرصة لهدم البيوت بشكل لا رحمة فيه ولا شفقة، وهي عمليات أصبحت يومية يعاني منها أهالي القدس جميعًا، تضاف إلى سجل معاناتهم في محال سكنهم وتجارتهم وتنقلاتهم لنزع هويتهم وتجريدهم من كل انتماء.
باختصار ما يجري هو برنامج شامل لتهجير سكان القدس العرب والمسلمين، وتغيير الهوية الإسلامية، ومحاولة لفرض الأمر الواقع بأن تصبح القدس عاصمة يهودية "أبدية".
وعندما تزور القدس تشاهد تلك المآسي بشكل يومي، وأصبح اليهود يزاحمون المسلمين والمسيحيين في الأحياء، وأضحت كل الأحياء مملوءة بالجنود "الإسرائيليين".. في كل حركة وسكنة يطالبون بالأوراق، ويصطادون الفرصة للتنكيل بأي شخص، وجدار الفصل الذي بنوه حول المدينة أصابها بشلل اقتصادي، وشلت حركة الدخول والخروج، والمدينة يخيم عليها جو حزين من الركود والموت التدريجي.
* وسط هذا الركام الخانق.. ما هي مجالات تدخل وكالة "بيت مال القدس" لدعم المقدسيين؟
- في هذه الظروف التضيقية لم تعدم الوكالة تعاونًا من بعض الأشخاص والهيئات المقدسية، فقد اجتهدنا مع مجلس الإسكان الفلسطيني بتمويل من وكالة بيت مال القدس الشريف على إعطاء قروض للناس لإصلاح مساكنهم وبناء منازل أخرى، ونحن الآن بصدد إنهاء الإجراءات الضرورية لبناء 156 وحدة سكنية في القدس.
وفي مجال الصحة، بنينا وحدة لتصفية الكلى بمستشفى المقاصد، ونحن بصدد بناء وحدة لزراعة الكلى وأخرى لعلاج الأورام السرطانية، وسلمنا سيارتي إسعاف لقسم العناية المركزة لمستشفى الهلال الأحمر بالقدس ومصعدا لقسم الولادة، بالإضافة إلى شراء الأدوية لمستشفى المقاصد.
وفي مجال التعليم، بنينا طابقا في الكلية الإبراهيمية وطابقا بالمدرسة الابتدائية بقرية "شعفاط"، وإعدادية بمخيمها، واشترينا مدرسة كانت معرضة للبيع بسبب تراكم ديون بنكية على أصحابها، وكتبناها وقفا، واستمرت في أداء رسالتها، ونقدم منحا للطلبة (52 منحة جامعية)، ونوزع ألفي حقيبة مدرسية بدفاترها وقراطيسها على الأطفال عند كل موسم دراسي، وأعطينا الانطلاق لمشروع المدارس الجديدة لترميم المدارس التي تحتاج لصيانة.
راعينا أيضًا الجانب الاجتماعي، حيث نقوم بتوزيع الخبز على السكان بمعدل 18 ألف رغيف يوميًّا، وأصلحنا تسعة مساجد.
والآن هناك جمعية رياضية طلبت منا في زيارتنا الأخيرة بناء ملعب لكرة القدم، فهم محرومون من ملعب، ووقعنا معها الاتفاقية، والآن بدأنا في إجراءات التنفيذ، وقريبا سيشهد الملعب النور.
ولكننا لظروف الاحتلال لا نعمل بأنفسنا في تقديم تلك الخدمات، وإنما نمول عددًا من المؤسسات الفلسطينية "المصرح لها" ليقوموا هم بالعمل.
* بالنظر إلى سابق مسئوليتكم كوزير أوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب.. ماذا قدمتم لحماية أوقاف القدس خاصة المغربية منها؟
- هناك إدارة للأوقاف الإسلامية داخل القدس وفي رحاب المسجد الأقصى تسهر على سلامة هذه الأوقاف.
غير أن هذه الأوقاف استولى عليها الإسرائيليون، ولم تبق إلا في الوثائق. لذلك يجب أن نهتم بهذا التوثيق، وقد أنشأنا مكتبة متخصصة بتاريخ القدس وفلسطين بمقر الوكالة خاصة بالأوقاف في فلسطين، وتم جمع كل ما يتعلق بالأوقاف المغربية والأوقاف الإسلامية بالقدس، وشكلنا فريقا يشتغل بهذا الجانب في القدس لهذا الغرض.
وباستطاعتنا ترميم الأوقاف، التي ما زالت بيد المسلمين وإصلاحها، وفي رأيي، لو أن المسلمين تنبهوا لهذا الأمر ورصدوا الأموال الكافية له لأنجزوا عملا جليلا لا ينسى.
وفي القدس مساجد ومآثر تاريخية، ومقابر ما زالت حية ولكنها مهملة، منها مقابر إسلامية يوجد فيها قبور كبار الصحابة رضوان الله عليهم.
وأغتنم هذه الفرصة لتوجيه نداء للعالم الإسلامي للاهتمام بالقدس بالمال والدعم اللازم، وهذا نوع من الجهاد، وهو مسئولية سيسأل عنها الجميع.
* بالإضافة إلى توثيق الأوقاف المغربية والإسلامية بالقدس، ألا تفكرون في رفع دعوى قضائية لدى المحاكم الدولية لاسترجاع الأوقاف الضائعة؟
- هذا ليس من اختصاص الوكالة، ولا نريد أن نزج الوكالة في أمور وندعي أشياء لا نستطيع القيام بها، ونحن نؤكد دائما داخل وخارج القدس أن مهمتنا إنسانية، ونقول: إذا بنينا مستشفى بالقدس وجاء يهودي مريض فلن نطرده، بل بالعكس، سيجد في المستشفى كل الرعاية، ونعتني بالإنسان من حيث هو إنسان في بيت المقدس.
* دشنت الوكالة عدة حملات لجمع التبرعات للقدس بالمغرب وإعلان مخطط إستراتيجي للعمل.. أين وصل العمل؟
- إذا قمت بزيارة موقع الوكالة على شبكة الإنترنيت بعد إعادة بنائه بشكل جيد، فستجد فيه نص الإستراتيجية، والذي يمكن قوله إننا إلى الآن سائرون في التطبيق الحرفي لتلك الإستراتيجية وناجحون في هذا العمل.
وفي رمضان الماضي، قمنا بحملة لجمع التبرعات للقدس، ونتج عنها جمع 4 ملايين درهم في سنة 2008، ومن فاتح يناير إلى أبريل بلغت التبرعات 4 ملايين و121 ألفا و365 درهما (الدولار يساوي نحو 8 دراهم)، ساهم فيها الأفراد بمليونين و876 ألفا و385 درهما، وساهمت المؤسسات (شركات وإدارات..)، بمليون و244 ألفا و980 درهما، بالإضافة إلى تبرعات الدول والمؤسسات الأجنبية.
وبلغت التبرعات عبر SMS حوالي 387 ألفا و439 درهما، ومكاتب البريد 322 ألفا و277 درهما.
ونحن عازمون على تنظيم حملة في شهر رمضان القادم إن شاء الله، وسنعقد ندوة صحفية قبل بداية الشهر الكريم لتقديم جميع ما تحصل من تبرعات من رمضان إلى رمضان وكيفية إنفاق هذه التبرعات.
وكيف ما كان حجم التبرعات فهي ترمز إلى دوام تعلق الشعبي المغربي بقضيته الوطنية أيضا.
* سبق للعاهل المغربي أن أعلن عن تنظيم دورة لجنة القدس لكنها أجلت.. كيف ترى دور لجنة القدس في دعم القرار السياسي للبعد الإنساني؟
- دور لجنة القدس دور كبير وباعتراف الجميع، وهي لجنة حية نشطة، تعمل في الميدان، وجلالة الملك محمد السادس حفظه الله لا يكتفي بالجانب السياسي في عمل لجنة القدس، وإنما يرعى الجانب العملي والميداني، ويتابع نشاط وكالة بيت مال القدس متابعة يومية، وهذا ما جعل اللجنة في شقها الميداني والسياسي معترفًا بدورها لدى الجميع، ونتمنى أن تتوفر الظروف الملائمة قريبا لعقد اجتماع اللجنة، وسيكون مناسبة لبيان المنجزات، التي حققتها.
وبالمناسبة لابد من الإشادة بدور جلالة الملك بعد أن تبرع من ماله الخاص بخمسة ملايين دولار لإعادة بناء كلية الزراعة بجامعة الأزهر بغزة، ونحن الآن بصدد التواصل مع الجامعة لإعداد التصاميم والدراسات، وعندما يرفع الحصار تكون الوكالة جاهزة لدعم المشروع.
كما أنه أعطى تعليماته لإعادة بناء مستشفى القدس بغزة، زيادة على الجسر الجوي لغزة إبان الأزمة، وأهل غزة يقدرون هذه المواقف المغربية، وقد اتصل بي رئيس أمناء الجامعة الإسلامية بغزة يعبر عن تقديره وإكبار أهل غزة لما يقوم به جلالة الملك.
وهذا العمل يضاف إلى جهوده الدولية، بحيث سخر الدبلوماسية المغربية للدفاع عن أهل غزة في محنتهم، وكانت مواقف المغرب فعالة، سواء في مجلس الأمن أو المحافل الدولية أو التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية عامة.
ويمكنني -كمغربي- أن أفتخر بهذا الدعم والمواقف، ولولا توفيق الله عز وجل ثم دعم الملك محمد السادس الخاص للوكالة لما نجحنا في شيء، بدءًا من تجهيز مقر الوكالة وتوفير الميزانية السنوية لها، وهي تعبر عن إرادة الشعب المغربي كله، الذي خرج في مظاهرات مليونية للتضامن مع أهل غزة واستعداده الدائم للوقوف بجانبهم.
* في ضوء الحفريات الإسرائيلية الجارية تحت المسجد الأقصى.. ما هي رؤيتكم لحفظ المسجد المبارك من هذا العبث؟
- الحفريات بكل أسف تجري بشكل يومي وتهدد المسجد الأقصى، وينبغي أن تكون هناك وقفة إسلامية أقوى.. وقفة إسلامية تتوحد فيها كلمة جميع المسلمين من أجل حماية المسجد الأقصى المبارك والدفاع عنه.
ولا تستطيع وكالة بيت مال القدس وحدها أن تفعل شيئا، فعلى سبيل المثال عندما بدأ "الإسرائيليون" ترميمات في سور المسجد الأقصى أصدرنا بيانا أوضحنا فيه أن الوكالة مستعدة للقيام بهذا العمل إن كان ذلك ضروريا، ولم نلق أي استجابة، والجميع كان يعلم أن الغرض من تلك الترميمات هو التغطية على الحفريات، التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية.
وشخصيا أرى أن الدول الإسلامية، والحمد لله، لها نفوذ وإمكانيات هائلة تجعل صوتها مسموعا، والذي يفت في عضدنا حاليا هو التشتت والفرقة، فإذا جمعت هذه الدول كلمتها فإنها تستطيع أن تقف وقفة قوية وتفرض إرادتها على المجتمع الدولي، وبالتالي على "إسرائيل"، وسر الأمر كله هو الوحدة.
* في غياب تلك الوحدة والوقفة المنشودة، ما هي المجالات التي ترونها ملفات عاجلة لتدارك ما يمكن تداركه؟
- يمكن أن نقول إننا جميعا استنفدنا ما يمكن أن نقوم به من استنكارات وشكاوى لدى الجهات الدولية من مجلس الأمن والأمم المتحدة واليونسكو، ولكن إسرائيل لا تعير أي اهتمام لهذا كله، وهي متمادية في أعمالها.
لكني أرى أنه ما زال بالإمكان أن نقوم بأشياء كبيرة إذا تضافرت جهود الدول مع جهود المؤسسات الشعبية والمجتمع المدني لدعم المقدسيين ماديًّا؛ لأن دعمهم سيقويهم ويجعلهم واقفين في الميدان ضد أي عمل تخريبي.
ولكن للأسف، فالدعم الموجه للمقدسيين إلى حد الآن ضعيف، ربما هناك دعم للقضية الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية بصفة عامة، لكن ليس هناك دعم لمدينة القدس وسكانها إلا في القليل النادر، فثري واحد من أثرياء العرب يمكنه أن يغطي جميع حاجيات القدس، فعندنا أثرياء كثيرون ودول غنية، ولكن عندنا ثروات تنضب، الدعم العربي المقدم الآن للقدس يدعو إلى السخرية.
وقد قام أحد أغنياء اليهود مؤخرًا بتشييد متحف "إسرائيلي" في القدس تكلف ما يزيد على 800 مليون دولار لتكريس التهويد، ويأتي هذا في الوقت الذي لا يجد فيه كثير من المقدسيين المأوى أو الطعام الآدمي!!.
* إذا أردنا معرفة حجم التمويل والدعم اليهودي والإسلامي بالقدس، ما هي طبيعة كل تحرك؟ وهل هناك مقارنة بين التمويلين؟
- لا مجال للمقارنة بين التمويلين إطلاقا، وأنا لا أقول إن الدول الإسلامية لا تعطي، ولكنها تعطي للسلطة الفلسطينية وعدد من الجهات بالمليارات، ولكن أنا أتحدث عن مدينة القدس، التي لا يصلها شيء من التبرع الإسلامي.
* هل أعدت الوكالة إستراتيجية ثقافية وحضارية للتوعية بأهمية القدس في الوجدان المغربي؟
- نحن بالفعل ننظم معرضا للوجود العربي المغربي بالقدس، بدأت دورته الأولى بالرباط، وفعاليته الثانية بمكناس، والثالثة في مدينة العيون.
وخلال المعارض المنظمة يتقدم الناس ويتبرعون للقدس تعبيرا منهم عن تعلقهم بالمدينة، بالإضافة إلى توزيع منشورات الوكالة مثل دورية "صدى وكالة القدس".